مدينة الالف وجه
القاهرة تاريخ مضي ..و.. مستقبل يتشكل الان
القاهرة تاريخ مضي ..و.. مستقبل يتشكل الان
القاهرة – انور عوض
دماء الحياة في القاهرة تبدو متوافقة مع كل شرايين البشر الذين يرونها راي العين او يزورنها عبر مشاهد الدراما اوالرواية المصرية , القاهرة بضجيجها (الكثافة السكانية أكثر 15 ألف نسمة لكل كيلومتر مربع) تحقق للراغبين من زائريها ( الجغرافيا ) التي يبحثون عنها ايا كانت فعلي مدار الساعة تستقبل المزارات الدينية مابين الازهر الذي انشأ في العام ( 972 م ) و مزارالحسين(1154 م. ) وغيرها تستقبل الاف الزوار وتقابل هذه المزارات الاسلامية دور مسيحية ابرزها في منطقة مصر القديمة حيث توجد كنيسة "ابو سرجة" التي تحكي قصة التجاء السيدة مريم العذراء والسيد المسيح إلي مصر لتحمي المسيح من انتقام هيرودوس .. وليس بعيدا عن هذه المزارات الدينية تستقبل ملاهي شارع الهرم روادها لا تملهم الملاهي ولا يسأمونها , ومابين هذه وتلك يتدافع هذه الايام الاف من معجبي نجما السينما المصرية عادل امام وعمر الشريف لدور العرض لمشاهدة العمل الفني للنجمين في فيلم ( حسن ومرقص ) ويشيئي ذلك الزحام في دور السينما لمشاهدتة منذ الخميس الماضي بان موضوع الفيلم يعبر عن مشكلة اجتماعية تواجه المجتمع قال لي احد هم عند مدخل سينما برمبل ( عادل امام ليس ممثل انه حكيم وربما يطرح بشجاعة واقع مشكلات مصر )
باختصار القاهرة لم تركن لامجادها التاريخية وتنام علي وسادتها بطمأنينة .
القاهرة لم تعد بلاد الالف مئذنة .. والابواب السبعة والاسوار الحاجزة .. القاهرة بتاريخها الذي يعود الي عام 969م استوعبت علي ارضها ثلاثة حضارات فرعونية واسلامية وحديثة لتخرج ملامح شوارعها لانتاج مشهد حديث لحضارة متجددة نجحت في عبور الابواب الثمانية التاريخية للمدينة واسوارها الثلاث , وبرغم قلاعها الاثرية تعتبر القاهرة فضاء يستقبل الجميع غض النظر عن الدين او الجنسية , ( أننا لا نشعر ب(الديسابورا هنا ابدا ) بتلك العبارة فسر لي الفنان التشكيلي السوداني معتز الامام اقامتة بالقاهرة منذ سنوات باحثا عن مساحة تستوعب تمرد افكاره وفرشاتة التي تضرب بالالوان في كل اتجاه.
حوار الحضارات
ليس باعتبار المساحة والسكان فقط تتصدر القاهرة المرتبة الاولي لاكبر المدن في المنطقتين العربية والافريقية والمدينة التي يبلغ عددسكانها نحو ثمانية ملاين نسمة , 3085 كم مربع هي مساحة القاهرة بيد ان هذه الكيلومترات من الارض تحمل في باطنها وظهرها خلاصة ثلاثة حضارات متعاقبه هي الحضارة الفرعونية والقبطية والاسلامية العرية عام 640 م) (ثم الحضارة الحديثة التي بدأت مع الحملة الفرنسية (1798)
القاهرةتتصدر حسب بعض المثقفيين من دول عربية عديدة التقيتهم بالقاهرة لكونها قابلة لاستيعاب الاخر بلا مشقة وبرحابة وانها تمثل بوابة الدخول للعالم ايا كان هذا العالم ثقافي ام سياسي.,
في الشارع .. مات الكلام
( التكعيبة ) مقهي شعبي يقع في شارع المعماري بقصر النيل..وعلي امتداد الزقاق الضيق الذي يجلس عليه الرواد تمتد ايادي الفنانين التشكيلين نحو اكواب ( الشاي الكشري) .. ومن خلفهم لافتات تعلن عن موقف البعض تجاه الراهن السياسي .. ( مات الكلام ) هو عنوان معرض فوتغرافي لاحد الفنانيين , انتهي ميقات العرض ولكن ربما قصد ان تظل اللافتة في مكانها قرب بيت المدينة للفنون , والاخير نفسه له قصة ففي صالاته الداخلية تنتصب لوحات فوتغرافية تحكي عن تفاصيل حياة السكان مثل توثيق العبارات المكتوبة علي ظهر السيارات والمركبات العامة والعبارات بطبعها لا تفارق لسان السخرية الذي عرف به المصريون لتاريخ غير قصير , بوسترات المعارض والفعاليات الثقافية جوار مقهي ( التكعيبة ) بوسط البلد تنبئي بان تلك الازقة الضيقة تعبر عن مساحة وسقف لاحلام كبيرة لشباب الفنانين وهم هنا
بالضرورة ليس من المصريين فقط اذ ان الرواد خليط من فنانيين قادمين من اوروربا وامريكا وبالطبع من افريقيا ومع ذلك تتوحد رغبتهم في الاستمتاع بمشروب ( الخروب ) البلدي كلما مر بائعه يحمل ابريقه الضخم فتتجمع حوله سحنات مختلفة تطفئ عطشها بمشروب مصري خالص يحقق درجة واحدة من السعادة للجميع . ومن المهم هنا الاشارة الي ان تمتع القاهرة بفضاء ابداعي وماحولة من صناعة يجذب المبدعين بالالة وسحر الشرق واساطير الراعنة التي لاتعد, وتكفي الاشارة هنا الي رمز فني مثل دار الاوبراالمصرية والتي افتتحت 1988 لتصبح اكبر مركز اشعاع ثقافي وفني بالاقليم.
معركة المنافسة لم تنتهي بعد
انفاس التناول الاعلامي للمؤسسات الاعلامية بالقاهرة تبدو ساخنة وباردة من هنا الي هناك وفقا لقربها وبعدها من نظام الحكم غير ان مجملها لا يخلو من استخدام قالب السخرية اللازعة التي تلامس موجة النقد المتصاعدة من اسفل , غير ان بعض المؤسسات العتيقة وذات الارتباط التاريخي بالسلطة لا زالات تحافظ علي نظافة ثوبها الاعلامي من اية اتهامات تحسب ضد الحكومة ,و في وقت شاع فيه ان بعض القائمين علي هذه المؤسسات بدأوا تحسس رؤسسهم والتفكير بجدية علي خلفية نجاح الصحف المستقلة باعتبار ان خريطة الفقر وغلاء الاسعار بالعاصمة المصرية لا تسمح بغير تقطيع كيكة القراء ,ولذا فان طرفا سوق الصحافة ينظران لتراتيب قائمة التوزيع بانها الكفيلة باعادة ترتيب مؤسسات الصحافة المصرية, ومع ان فارق التوزيع بين الصحف القومية مثل( الاهرام) التي توزع 800 الف نسخة مقارنة ب 80 الف نسخة لصالح صحيفة ( المصري اليوم ) كبري الصحف المستقلة يعد فارقا مهولا الا ان القادمين الجدد لسوق الصحافة يبحثون عن تحقيق مساحة لهم خصما من رصيد القدامي, وفي الوقت الذي تتوافق فيه قيادات الاهرام مع اصوات اخري سيما فيما يخص اعادة هيكلة الصحف القومية يري مدير تحرير الاهرام عبد العظيم درويش ان الارض لم تميد بعد تحت اقدام الصحف المستقلة ,ولعل ابرز مؤشرات التفاؤل يضعها رئيس تحرير الاهرام اسا مة سرايا الذي يري ان الاهرام مؤسسة راسخة وتمثل جزء من تاريخ مصر لا يمكن ان تتعرض للانهيار بهكذا بساطة, ومن علي الضفة الاخري يتحدث مؤسسي الصحافة المستقلة او الخاصه كما يطلق عليها البعض ان مصر في طريقها لتجاوز محطة الصحف القومية او الموصوفه لديهم بالحكومية , وبالرغم من ان رئيس تحرير ( البديل ) د. محمد السيد لا يضمن ان تستمر صحيفتة المعبرة عن اليسار في الصدور بسبب التمويل الا انه يعلن ان المرحلة الراهنة من تاريخ مصر تلزم بالخروج عن التكلس سيما في الصحافة , اما ( المصري اليوم ) المعبرة عن تحالف رجال الاعمال وعلي لسان قياداتها تراهن علي ان سوق الصحافة يكسبه من يعبر عن الشعب , وبعيدا عن حلبة التنافس المحتدم في سوق الصحافة يدور جدل اخر حول مدي سحب دول الخليج لبساط الاعلام من تحت اقدام القاهرة ,ويبدو ان التاثير الاعلامي للقاهرة علي المنطقة لم يتحول بعد الي تاريخ كما يري بعض المنجذبين لصالح الفضائيات بالخليج العربي ولذلك قد لا تصيبك الدهشة وانت تشاهد برنامج تلفزيوني مثل ( العاشرة مساء ) من قناة دريم وهي تبث ماهو اقرب الي استجوابات للمسئوليين النافذيين حول شكاوي خدمية لمواطنين ,ولكن وبتحريك مؤشر الريموت لاقرب محطة تلفزيونية غارقة حتي اذنيها في عالم الدراما تكتشف حجم فارق الاهتمام والجمهور ,
ساقية الصاوي .. مساحة للمبدعين
في ساقية الصاوي بالزمالك تتجسد عبارة ان القاهرة لها الف وجه , وجوه متعدةة لا يلغي احدها الاخر ولايسعي لالغائة .. وربما تعبر ساقية الصاوي عن ذلك ببرامجها ففي امسيات شهر يوليو الحالي تقدم الساقية اغنيات مصرية, وحفل لاغاني الروك,وافضل اغنيات الخمسينات , وفي الامسيات التالية اغنيات راب عربي وغناء نوبي وتراث سوداني وحفلات انشاد ديني وادب لبناني هذا بالطبع عدا الافلام السينمائية والندوات الثقافية ومسابقات ابداعية مختلفة .. وهنا تسال نفسك ماذ بقي من ثقافات العا لم الاخري ؟ الكل هنا ليعبر عن ابداعه ويسمع لابداع الاخر .. كل هذ الاستيعاب للاخر بالقاهرة المصرية لا يلغي البتة وجهة التأثيروموجة التغيير التي تحدثها القاهرة في جميع العابرين .. او بالاحري العودة لقاعدة الجذب والتأثير التي عرفت بها مصر تاريخيا وتبحث لها عن امتداد في المستقبل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق